كثير الصلاة معروفا بذلك حتى إنهم كانوا إذا رأوه يصلّى تغامزوا وتضاحكوا، فكانت هى من بين الشعائر ضحكة لهم.
(أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) أي أو أن نترك فعلنا ما نشاء فى أموالنا من التطفيف وغيره من التنمية والاستغلال والتصرف فى الكسب بما نستطيع من الحذق والاحتيال والخديعة، فما ذاك إلا حجر على حريتنا وتحكّم فى إرادتنا وذكائنا.
والخلاصة- إنهم ردوا عليه الناحيتين الدينية والدنيوية بما رأوا من شبه مزيّفة، وحجج آفنة.
ثم أتبعوا ذلك بما يدل على السخرية والهزء به فقالوا:
(إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي أنت ذو الجهالة والسفاهة فى الرأى، والغواية فى الفعل بهوس الصلاة، لكنهم عكسوا القضية تهكما واستهزاء كما يقال للبخيل:
لو رآك حاتم لاقتدى بك فى سخائك.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي قال يا قوم أخبرونى عن شأنى وشأنكم إن كنت على حجة واضحة من ربى ومالك أمرى فيما دعوتكم إليه وما أمرتكم به ونهيتكم عنه فكان وحيا منه لا رأيا منى.
(وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) فى كثرته وفى صفته وقد كان ذلك بالحلال بلا تطفيف مكيال ولا ميزان ولا بخس لحق أحد من الناس، فما أقوله لكم صادر عن تجربة فى الكسب الطيب وما فيه من خير وبركة، لا عن آراء نظرية ممن ليست له خبرة- فماذا أقول غير الذي قلت عن وحي من ربى وعن تجربة فى مالى هل يسعنى بعد هذا التقصير فى التبليغ والكتمان لأوامر الله.
(وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) أي وما أريد بنهي إياكم عما أنهاكم عنه من البخس والتطفيف أن أقصده بعد ما ولّيتم عنه، فأستبدّ به دونكم مؤثرا لنفسى عليكم، بل أنا مستمسك به قبلكم.
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي ما أريد إلا الإصلاح بالنصيحة والموعظة