وسماء كل من أهل الجنة والنار ما هو فوقهم، وأرضهم ما هم مستقرون عليه وهو تحتهم، كما قال تعالى «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ» وقال ابن عباس والسّدّى والحسن: لكلّ أرض وسماء.
(إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أي إن هذا الخلود دائم إلا ما شاء ربك من تغيير فى هذا النظام فى طور آخر، إذ أنه إنما وضع بمشيئته وسيبقى كذلك، ويراد بمثل هذا فى سياق الأحكام القطعية الدلالة على تقييد تأبيدها بمشيئته تعالى فقط، لا لإفادة عدم عمومها كما فى قوله:«قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» أي لا أملك شيئا من ذلك بقدرتي إلا ما شاء الله أن يملكنيه منه بتسخير أسبابه وتوفيقه، ونحو ذلك قوله:«سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» أي إنه تعالى ضمن لنبيه حفظ القرآن الذي يقرئه إياه وعصمه ألا ينسى منه شيئا كما هو مقتضى الضعف البشرى إلا أن يكون بمشيئة الله فهو وحده القادر على ذلك.
(إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ومشيئته تعالى إنما تتعلق بما سبق به علمه واقتضته حكمته، وما كان كذلك لم يكن إخلافا لشىء من وعده ولا من وعيده كخلود أهل النار فيها.
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) المجذوذ: المقطوع، من جذّه إذا قطعه أو كسره، وهو كقوله:
«لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» أي إن هذا الجزاء هبة منه وإحسان دائم غير مقطوع، وقد كثر وعد الله تعالى للمؤمنين المحسنين بأنه يزيدهم من فضله، وبأنه يضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها، وبأكثر من ذلك إلى سبعمائه ضعف، وبأنه يجزيهم بالحسنى، وبأحسن مما عملوا- ولم يوعد بزيادة جزاء الكافرين والمجرمين على ما يستحقون، بل أوعدهم بأنه يجزيهم بما عملوا، وبأن السيئة بمثلها وهم لا يظلمون، وبأنه لا يظلم أحدا، وهذا الجزاء وهو الخلود فى النار أثر طبيعى لتدسية النفس بالكفر والظلم والفساد.