فى حجرة الدار، أو لطمة على خديه تزيل منها الاحمرار، وهنا أنذرته بسجن مؤكد وذل وصغار تأباه الأنفس الكريمة كنفس يوسف عليه السلام فأشقّ الأعمال أهون على كرام الناس من الهوان والصغار.
وفى هذا التهديد من ثقتها بسلطانها على زوجها مع علمه بآمرها واستعظامه لكيدها، ما كان من حقه أن يجعل يوسف يخاف من تنفيذ إرادتها ويثبت لديه عدم غيرته عليها كما هو الحال لدى كثير من العظماء المترفين العاجزين عن إحصان أزواجهن والمحرومين من نعمة الأولاد منهن.
وربما تكون مبالغتها فى تهديده بمحضر من هؤلاء النسوة لما فى قلبها منه من غل وجوى بظهور كذبها وصدقه، وتصميمه على عصيان أمرها، ولتظهر ليوسف أنها ليست فى أمرها على خيفة من أحد فتضيق عليه الحيل، ولينصحنه فى موافقتها ويرشدنه إلى الخلاص من عذابها.
يا لله! إن هذا لموقف يهدّ الجبال الراسيات، وتدبير لا قبل لأشد العزائم على احتماله، فامرأة ما كرة هتكت سترها، وكاشفت نسوة بلدها بما تسر وتعلن من أمرها، ونسوة تواطأن معها على الكيد له كما كادت له من قبل بمراودته عن نفسه، ولا سبيل إلى دفع هذه الضراء، وإبعاد تلك اللأواء، إلا بمعونة من ربه، وحفظه من نزغات الشيطان وكلاءة الرحمن، ومن ثم جرى على لسانه ما أكنه جنانه:
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أي قال ربى أنت العليم بالسر والنجوى، والقدير على كشف تلك البلوى: إن السجن الذي هددت به والمكث فى بيئة المجرمين على شظف العيش ورقة الحال- أحب إلى نفسى مما يدعو إليه أولئك النسوة من الاستمتاع بهن فى ترف القصور، والاشتغال بحبهن عن حبك وبقربهن عن قربك.
وفى قوله مما يدعوننى إليه إيماء إلى أنهن خوفنه مخالفتها، وزينّ له مطاوعتها فقلن له: أطع مولاتك وأنلها ما تهوى، لتكفى شرها، وتأمن عقوبتها.