(نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) أي نخص برحمتنا من إعطاء الملك والرياسة والغنى والصحة ونحوها من نشاء من عبادنا، بمقتضى ما وضعنا من السنن فى الأسباب الكسبية مع موافقتها للأحداث الكونية، ومراعاة النظم الاجتماعية، والفضائل الخلقية.
(وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي ولا نضيع أجر من أحسنوا فى أعمالهم بشكران هذه النعم، بل نأجرهم عليها سعادة وهناءة، وقد بذلنا تلك النعم لمن يطلبها متى أتى الأمور من أبوابها، وسار على مقتضى السنن التي وضعناها.
أما من يسيئون التصرف فيها فتصيبهم المنغّصات، وتتوالى عليهم المكدّرات فالمسرفون لا يلبثون أن ينالهم الفقر والعدم، والظالمون يثيرون أضغان المظلومين، وذوو الخيلاء والبطر يكونون محتقرين، وقلما يصيب المحسنين الشاكرين من ذلك شىء وإن نالهم منه شىء يكن هيّنا عليهم وهم عليه صبر.
وفى الآية إيماء إلى أنه ما أضاع صبر يوسف على أذى إخوته وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز بل كان جزاؤه ما مكّن له فى الأرض ولدي ملك مصر:
(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) أي إن أجر الآخرة وهو نعيمها يكون للمؤمنين المتقين، وهو خير لهم من أجر الدنيا لأهلها وإن بلغوا سلطان الملك، فإنّ ما أعده لأولئك ليتضاءل أمامه كل ما فيها من مال وجاه وزينة، ولا شبهة فى أن من يجمعون بين السعادتين يكون فضل الله عليهم أعظم، إذ هم أعطوا حقها من الشكر وقاموا بما يجب عليهم نحو خالقهم من طاعته وترك معصيته.
روى الشيخان عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: «قال فقراء المهاجرين للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب أهل الدثور (واحدها دثر بالفتح: المال الكثير) بالدرجات العلى والنعيم المقيم، قال ما ذاك؟ قالوا يصلّون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون كما نتصدق ويعتقون ولا نعتق، قال صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من