فكل أولئك مما يحول دون التثبت من معارف وجهه، ولا سيما أنهم كانوا يظنون أنه قد هلك أو طوّحت به طوائح الأيام، ولو كانوا قد فطنوا لبعض ملامحه وتذكروه بها لربما عدوه مما يتشابه فيه بعض الناس ببعض العادات، وبخاصة أنه لم يكن يدور بخلدهم أن أخاهم قد وصل إلى ذلك المركز السامي.
(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) أي ولما أوقر ركائبهم بما جاءوا لأجله من الميرة والطعام وجهزهم بما سوى ذلك من الزاد وبما يحتاج إليه المسافرون عادة على قدر طاقتهم وبيئتهم.
(قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) هو شقيقه بنيامين، وسبب ذلك أن يوسف ما كان يعطى لأحد إلا حمل بعير، وقد كان إخوته عشرة فأعطاهم عشرة أحمال فقالوا إن لنا أبا شيخا كبيرا وأخا آخر بقي معه، وإن أباهم لتقدم السن به وشدة حزنه لا يستطيع الحضور، وإن أخاهم بقي فى خدمة أبيه، ولا بد لهما من شىء من الطعام فجهز لهما بعيرين آخرين، وقال لهم جيئونى بأخيكم لأراه.
وفى سفر التكوين أنه كان استنبأهم عن أنفسهم متنكرا لهم، إذ عرفهم ولم يعرفوه واتهمهم بأنهم جواسيس جاءوا ليروا عورة البلاد، فأنكروا ذلك وأخبروه خبرهم، فقالوا نحن عبيدك اثنا عشر أخا ونحن بنو رجل واحد فى أرض كنعان، وهذا الصغير عند أبينا اليوم، والواحد مفقود، فقال لهم يوسف، ذلك ما كلمتكم به قائلا، جواسيس أنتم، بهذا تمتحنون، وحياة فرعون لا تخرجون من هنا إلا بمجىء أخيكم الصغير إلى هنا. فدعوا رهينا عندى وأتونى بأخيكم من أبيكم، فاقترعوا فأصابت القرعة شمعون فخلفوه عنده. ثم أمر يوسف أن تملأ أوعيتهم قمحا وترد فضة كل واحد إلى عدله وأن يعطوا زادا للطريق، ففعل لهم هكذا اه.
(أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) أي أتمه ولا أبخسه وأزيدكم حمل بعير لأجل أخيكم.
(وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أي وأنا على هذا خير المضيفين لضيوفه، فقد أحسن ضيافتهم وجهزهم بالزاد الكافي لهم مدة سفرهم ومن هذا يعلم أن رواية اتهامهم بالتجسس ضعيفة على كونها لا تليق بمن دون الصديق النبي وهو يعلم بطلانها، إلا أن تكون ذريعة لغرض صحيح كاتهامهم بالسرقة.