غيره يكون ظالما بمقتضى شريعتهم وشريعة ملك مصر- اعتزلوا الناس ولم يخالطوا أحدا، وانفردوا للمناجاة والتشاور فى أمرهم.
وخلاصة ذلك- أن أولئك الإخوة العشرة بعد أن انتهى كبيرهم من استعطاف العزيز وعدم جدوى ما فعل، غادر كل منهم رحله وانضم بعضهم إلى بعض وأدنى رأسه من رأسه وأرهفوا آذانهم للنجوى.
(قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ) أي قال كبيرهم عقلا ورأيا وهو يهوذا، ألم تعلموا أيها القوم أن أباكم يعقوب قد أخذ عليكم عهد الله وميثاق لتردّنّه إليه إلا أن يحاط بكم، وقد رأيتم كيف تعذر ذلك عليكم.
(وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) أي ومن قبل هذا قد قصرتم فى حفظ يوسف بعد وعدكم المؤكد بحفظه، وكيف أن أباكم قد قاسى من أجله من الحزن ما قاسى.
(فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي) أي فلن أفارق أرض مصر حتى يأذن لى أبى بتركها والرجوع إليه وبنيامين فيها، أو يحكم الله لى بامر من عنده مما هو غيب فى علمه، كأن يترك العزيز لى أخى بإلهام منه تعالى أو بسبب آخر.
(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لأنه لا يحكم إلا بما هو الحق والعدل، وهو المسخر للأسباب والمقدر للاقدار.
ثم أمرهم أن يقولوا لأبيهم ما يزيلون به التّهمة عن أنفسهم قال:
(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) صواع الملك فاسترقه وزيره العزيز القائم بالأمر فى مصر عملا بشريعتنا، إذ نحن أنبأناه بها بعد أن استنبأنا إياها.
(وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا) أي وما شهدنا عليه بالسرقة بسماع أو إشاعة أو تهمة بل ما شهدنا إلا بما علمنا، إذ رأينا الصواع قد استخرج من متاعه.
(وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) فنعلم أنه سيسرق حين أعليناك المواثيق، ولو كنا نعلم ذلك لما آتيناك العهد الموثق علينا.