هذه الأمة، وأبرّها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على إثرهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الصراط المستقيم.
وقد كان من شبه منكرى نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم أن الله لو أراد إرسال رسول لبعث ملكا كما حكى عنهم سبحانه:«لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً» فرد سبحانه عليهم بقوله:
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) فكيف عجبوا منك ولم يعجبوا ممن قبلك من الرسل.
وهذه الشبهة ذكرت فى كثير من السور كالأعراف وإبراهيم والنحل والكهف والأنبياء والشعراء.
وقال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء، وهذا قول الجمهور كما دل عليه سياق هذه الآية الكريمة، فالله لم يوح إلى امرأة من بنات بنى آدم وحي تشريع اه.
وفى قوله:(مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من أهل الأمصار دون البوادي إيماء إلى أن سائر البلدان تتبعهم إذا آمنوا، ولأن أهل البادية أهل جفاء، يرشد إلى ذلك
قوله عليه السلام «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل» .
ثم أتبع ذلك بتأنيهم وتهديدهم على تكذيبهم بالرسول صلى الله عليه وسلّم فقال:
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟) أي أفلم يسر هؤلاء المشركون من كفار قريش ممن يكذبونك ويجحدون نبوتك وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص العبادة له، فينظروا فيما وطئوا من البلاد من أوقعنا بهم