وبعد أن ذكر هذه الأدلة التي تشاهد رأى العين فى كل صباح ومساء وفى كل حين ووقت، ذكر أن هذه الأدلة لا يلتفت إليها ولا يعتبر بها إلا من له فكر يتدبر به وعقل يهتدى به إلى وجه الصواب وينتقل من النظر فى الأسباب إلى مسبباتها فقال:
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي إن فيما ذكر من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء العظيمة- لدلائل وحججا لمن يتفكر فيها ويعتبر فيعلم أن الخالق لذلك هو القاهر فوق العباد، وهو ذو الإرادة المطلقة والقدرة الشاملة، فلا يعجزه إحياء من هلك من خلقه، ولا إعادة من فنى منهم، ولا ابتداع ما شاء ابتداعه، ومن ثم لا تجوز العبادة إلا له، ولا التذلل والخضوع إلا لسلطانه، ولا ينبغى أن تكون لصنم أو وثن أو حجر أو شجر أو ملك أو نبى أو غير أولئك ممن سلب النفع والضر، بل لا يستطيع صرف الأذى عن نفسه:«إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ. وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ» .
وقد روى «تفكروا فى آلاء الله ولا تتفكروا فى الله» .
(٦)(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) أي وفى الأرض بقاع متجاورات متدانيات، يقرب بعضها من بعض، وتختلف بالتفاضل مع تجاورها، فمن سبخة لا تنبت شيئا إلى أرض جيدة التربة تجاورها وتنبت أفضل الثمرات ومختلف النبات، ومن صالحة للزرع دون الشجر، إلى أخرى مجاورة لها تصلح للشجر دون الزرع، إلى متدانية لهما تصلح لجميع ذلك، ومنها الرّخوة التي لا تكاد تتماسك وهى تجاور الصّلبة التي لا تفتّتها المعاول وأدوات. التدمير من المفرقعات (الديناميت والقنابل) وكلها من صنع الله وعظيم تدبيره فى خلقه.
(وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) أي وفيها بساتين من أشجار الكرم.
(وَزَرْعٌ) أي وفيها زرع من كل نوع وصنف من الحبوب المختلفة التي تكون فذاء للإنسان والحيوان.