كما حدث ذلك حين كان المؤمنون في قلة من العدد والعدد تناوئهم الأمم جمعاء، وقد تألب عليهم المشركون حتى أخرجوهم من ديارهم وأموالهم، كما لاقوا من أهل الكتاب عنتا وكيدا لهذا كله أمر عباده أن يستعينوا على مقاومة ذلك كله بالصبر والصلاة، إذ في الصبر تربية ملكة الثبات وتعوّد تحمل المشاقّ، فيهون على النفس احتمال ما تلاقيه من المكاره في سبيل تأييد الحق ونصر الفضيلة، ويظهر أثر ذلك في ثبات الإنسان على إثبات حقّ أو إزالة باطل، أو الدعوة إلى عقيدة أو تأييد فضيلة، ومصارعة الشدائد لأجل ذلك، وعلى هذا جرى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه عليهم الرحمة والرضوان، حتى فازوا بعاقبة الصبر، ونصرهم الله نصرا مؤزّرا على قلتهم وضعفهم عن جميع الأمم التي حواليهم.
وفي الصلاة التوجه إلى الله ومناجاته وحضور القلب معه سبحانه، واستشعار المصلى للهيبة والجلال وهو واقف بين يدى ربه كما
جاء في الحديث «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» .
وهو بهذا الشعور المالك للبّه المالئ لقلبه، يستسهل في سبيله كل صعب، ويستخفّ بكل كرب، ويحتمل كل بلاء، ويقاوم كل عناء. فلا تتوق نفسه إلا لما يرضى ربه الذي يلجأ إليه في الملمّات، ويركن إليه إذا أفزعته النائبات.
وليست الصلاة التي عناها الكتاب الكريم هى مجرد القيام والركوع والسجود، والتلاوة باللسان خاصة، والتي نشاهد من معتاديها الإصرار على الفواحش والمنكرات واجتراح السيئات، إذ لا أثر لها مما وصفه الله بقوله:«إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ» وقوله: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ» ومن ثمّ نرى الذين يصلون هذه الصلاة أضعف الناس قلوبا وأشدهم اضطرابا إذا عرض لهم شىء على غير ما يرومون، وما كان للمصلى أن يكون ضعيف القلب عادم الثقة بالله، والله يبرئه من ذلك ويقول:«إِلَّا الْمُصَلِّينَ» .