وخلاصة هذا- إن تلك الجمادات الخسيسة التي جعلتموها شركاء لله وعبدتموها، هى أحقر الموجودات، وأضعف المخلوقات، فكيف تجعلونها شريكة لله فى التدبير والشفاعة فى الأرض والسموات؟.
ثم أجاب عن شبهة لهم إذ قالوا: هب الله قضى على بعض عباده بالشر وعلى آخرين بالخير، فمن يعرف هذه الأسرار التي لا يعلمها إلا هو؟ فقال:
(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) أي ينزل سبحانه ملائكته بالوحى إلى من يريد من عباده المصطفين الأخيار، أن أنذروا عبادى أن إله الخلق واحد لا إله إلا هو، وأنه لا تنبغى الألوهية إلا له، ولا يصلح أن يعبد شىء سواه، فاحذروه وأخلصوا له العبادة، فإن فى ذلك نجاتكم من الهلكة، وقد جاء ذكر الروح بمعنى الوحى فى قوله:«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ» وفى قوله:
والمراد بقوله من أمره- بيان أن ذلك التنزيل والنزول لا يكونان إلا بأمره تعالى كما قال حكاية عن الملائكة:«وما نتنزّل إلّا بأمر ربّك» وقال:
لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» وقال:«يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» وقال: «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» ففى كل ذلك دليل على أن الملائكة لا يقدمون على عمل إلا بأمره تعالى وإذنه.
وفى الآية إيماء إلى أن الوحى من الله إلى أنبيائه لا يكون إلا بوساطة الملائكة، ويؤيد ذلك قوله:«وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» فقد بدأ بذكر الملائكة، لأنهم هم الذين يتلقّون الوحى من الله بلا وساطة، وذلك الوحى هو الكتب، وهم يوصلون هذا الوحى إلى الأنبياء- لاجرم جاء الترتيب على هذا الوضع