بحسب اختيارهم وصرف همتهم إلى تحصيل أسبابه، لا حجة لهم فيها، لأنه تعالى خلق النار وجعل أهلها من الشياطين وأهل الكفر، وهو لا يرضى لعباده الكفر، وله فى ذلك حجة ناصعة وحكمة بالغة.
ثم بين سبحانه أنه أنكر على عباده المكذبين كفرهم بإنزال العقوبة بهم فى الدنيا بعد إنذار الرسل فقال:
(فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي فممن بعثنا فيهم رسلنا من هداه الله ووفقه لتصديقهم وقبول إرشادهم والعمل بما جاءوا به، ففازوا وأفلحوا ونجوا من عذابه، ومنهم من جاروا عن قصد السبيل، فكفروا بالله وكذبوا رسله واتبعوا الطاغوت، فأهلكهم بعقابه، وأنزل بهم شديد بأسه الذي لا يردّ عن القوم المجرمين.
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي فسيروا فى الأرض التي كان يسكنها القوم الظالمون، والبلاد التي كانوا يعمرونها كديار عاد وثمود ومن سار سيرتهم ممن حقت عليه الضلالة، وانظروا إلى آثار سخطنا عليهم، لعلكم تعتبرون بما حل بهم.
ثم خاطب سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلّم مسلّيا له على ما يراه من جحود قومه وشديد إعراضهم ومبالغتهم فى عنادهم، مع حدبه عليهم وعظيم رغبته فى إيمانهم، ومبينا له أن الأمر بيد الله وليس له من الأمر شىء فقال:
(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) أي إن تحرص أيها الرسول على هداية قومك- لا ينفعهم حرصك إذا كان الله يريد إضلالهم بسوء اختيارهم وتوجيه عزائمهم، إلى عمل المعاصي والإشراك بربهم.