قال ابن عباس يقول: تجعلون لى البنات، ترتضونهن لى ولا ترتضونهنّ لأنفسكم.
ثم أكد ما سلف بقوله:
(وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) أي وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة أنثى ظل وجهه مسودا كئيبا من الهم ممتلئا غيظا وحنقا من شدة ما هو فيه من الحزن، يتوارى من الناس حجلا واستحياء: ولا يود أن يراه أحد من مساءته بما بشر بها، ويدور بخلده أحد أمرين: إما أن يمسكها ويبقيها بقاء ذلة وهوان فلا يورّثها ولا يعنى بها، بل يفضّل الذكور عليها، وإما أن يدسها فى التراب ويدفنها وهى حية، وذلك هو الوأد المذكور فى قوله تعالى «وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» .
ومعنى قوله (أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه، فإنهم بالغوا فى الاستنكاف من البنت من وجوه:
(١) اسوداد الوجه.
(٢) الاختفاء من القوم من شدة نقرتهم منها.
(٣) إنهم يقدمون على قتلها ووأدها، خشية العار أو خوف الجوع والفقر.
ثم جعل تذييلا لما تقدم قوله:
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) أي للذين لا يصدّقون بالمعاد والثواب والعقاب من المشركين، صفة السوء التي هى كالمثل فى القبح، من حاجتهم إلى الولد، ليقوم مقامهم بعد موتهم، وتفضيلهم للذكور للاستظهار بهم، ووأدهم للبنات خشية العار أو الفقر، وذلك يومىء إلى العجز والقصور والشح البالغ أقصى غاية.
(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي وله تعالى الصفة العليا، وهى أنه الواحد المنزه عن الولد وأنه لا إله إلا هو، وله صفات الكمال والجلال من القدرة والعلم والإرادة ونحو ذلك.