أن لهم العاقبة الحسنى عند الله وهى الجنة على تقدير وجودها، فقد روى أنهم قالوا:
إن كان محمد صادقا فى البعث فلنا الجنة بما نحن عليه، فرد الله عليهم مقالهم بقوله:
(لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) أي حقا أن لهم النار وليس بعد عذابها عذاب، وأنه معجل بها إليهم وهم مقدمون لها.
ثم بين سبحانه أن هذا الصنيع الذي صدر من قريش قد حدث مثله من الأمم السالفة فى حق أنبيائهم فقال مسليا رسوله على ما كان يناله من الغم بسبب جهالانهم (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي والله لقد أرسلنا رسلا من قبلك إلى أممهم بمثل ما أرسلناك به إلى أمتك، من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وخلع الأنداد والأوثان، فحسّن لهم الشيطان ما كانوا عليه مقيمين من الكفر به وعبادة الأوثان، فكذبوا رسلهم وردوا عليهم ما جاءوا به من عند ربهم، وما كان ناصرهم فيما اختاروا إلا الشيطان، وبئس الناصر والمعين، ولهم فى الآخرة عذاب أليم حين ورودهم إلى ربهم، إذ لا تنفعهم إذ ذاك ولاية الشيطان كما لم تنفعهم فى الدنيا.
ثم ذكر سبحانه أنه ما أهلك من أهلك، إلا بعد أن أقام الحجة، وأزاح العلة فقال:
(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي وما أنزلنا عليك كتابنا، وما بعثناك به إلى عبادنا، إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله، فيعرفوا الحق من الباطل، وتقيم عليهم حجة الله التي بعثك بها، وهو هدى للقلوب الضالة، ورحمة لقوم يؤمنون به فيصدقون بما فيه، ويقرّون بما تضمنه من أمر الله ونهيه ويعملون به.
وخلاصة ذلك- إن هذا الكتاب هو الفاصل بين الناس فيما يتنازعون فيه وأنه الهادي لهم إلى سبيل الرشاد.