فى الأكوان بدون اتخاذ الأسباب- قد ضلوا ضلالا بعيدا واتبعوا أمر الشيطان، ومثلهم من اتخذ رأى الرؤساء حجة في الدين من غير أن يكون بيانا أو تبليغا لما جاء عن الله، فهؤلاء قد أعرضوا عن سنن الله وأهملوا نعمة العقل، واتخذوا من دون الله الأنداد «ومن يضلل الله فلا هادى له» .
(وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي ويأمركم أن تقولوا على الله في دينه ما لا تعلمون علم اليقين أنه شرعه لكم من عقائد وشعائر دينية، أو تحليل ما الأصل فيه التحريم، أو تحريم ما الأصل فيه الإباحة، ففى كل ذلك اعتداء على حق الربوبية بالتشريع، وهذا أقبح ما يأمر به الشيطان، فإنه الأصل في إفساد العقائد، وتحريف الشرائع.
ومن هذا زعم الرؤساء أن لله وسطاء بينه وبين خلقه، لا يفعل شيئا إلا بوساطتهم، فحولوا قلوب عباده عنه وعن سننه في خلقه، ووجهوها إلى قبور لا تعد ولا تحصى، وإلى عبيد ضعفاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، ويسمون مثل هذا توسلا:
أي تقربا إلى الله، وحاشى أن يتقبّل التقرب إليه بالشرك به، ودعاء غيره معه وهو يقول «فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً» .
ثم سجل عليهم كمال ضلالهم وعدّد جناياتهم فقال:
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي وإذا قيل لمن اتبع خطوات الشيطان من المشركين: اتبعوا ما أنزل الله على رسوله من الوحى ولا تتبعوا من دونه أولياء- جنحوا إلى التقليد، وقالوا نحن لا نعرف إلا ما وجدنا عليه السادة والكبراء والشيوخ من آبائنا، استئناسا بما ألفوه مما ألفه آباؤهم من قبل.
ثم رد عليهم سبحانه مقالتهم الحمقاء وأظهر بطلان آرائهم فقال:
(أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) أي أيتبعون ما ألفوا عليه آباءهم فى كل حال وفي كل شىء، ولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا من عقائد الدين وعباداته:
أي حتى لو تجردوا من دليل عقلى أو نقلى في عقائدهم وعباداتهم.