تنبيه- لما كانت بلاد العرب شديدة الحر وحاجتهم إلى الظل ألزم، ذكر هذا فى معرض النعم العظيمة، إلى أن ما يقى من الحريقى من البرد أيضا فكان ذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
قال الشهاب الخفاجي فى الريحانة: فى الآية نكتة لطيفة لم ينبّهوا عليها، وهى أنه إنما اقتصر على الحر لأنه أهم هنا لما عرف من غلبة الحر على ديار العرب، ثم إن ما يقى الحر يحصل به برودة فى الهواء فى الجملة، فوقاية الحر إنما هى لتحصيل البرد، وهذا فيه من اللطف ما هو ألطف من النسيم، فلله در التنزيل فكم فيه من أسرار لا تتناهى اهـ.
(كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) أي كما خلق هذه الأشياء لكم، وأنعم بها عليكم، يتم نعمة الدنيا والدين عليكم، ويجعلكم ملوكا وأمراء فيما تفتحون من البلاد والأصقاع، ويجعل رائدكم فيما تعملون وجه الله وإصلاح الأمم والشعوب كما قال:«وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم فى الأرض» .
(لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) أي توقعا للنظر فيما أسبغ عليكم من النعم، فتعرفون حق المنعم بها، فتؤمنون به وحده، وتذرون ما أنتم به مشركون، فتسلمون من عذابه، فإن العاقل إذا أسدى إليه المعروف شكر من أنعم به عليه كما قال المتنبي:
وقيّدت نفسى فى دراك محبّة ... ومن وجد الإحسان قيدا تقيّدا
وبعد أن عدد ما أنعم به عليهم من النعم ذكر ما يتّبع معهم إذا هم أصروا على عنادهم واستكبارهم ولم تنفعهم الذكرى فقال:
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي فان استمروا على إعراضهم، ولم يقبلوا ما ألقى إليهم من البينات فلا يضيرك ذلك، ولا تبخع نفسك عليهم أسى وحسرة، فإنك قد أديت رسالتك كاملة غير منقوصة، وما هى إلا البلاغ الموضّح لمقاصد الدين وبيان أسراره وحكمه، وقد فعلته بما لا مزيد عليه.
وجملة القول- إنهم إن أعرضوا وتولوا فلست بقادر على خلق الإيمان فى قلوبهم، فإنما عليك البلاغ فحسب