أخرج ابن جرير عن مزيدة بن جابر أن الآية نزلت فى بيعة النبي صلى الله عليه وسلّم كان من أسلم يبايع على الإسلام، فقال تعالى:(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وإن كان فى المسلمين قلة وفى المشركين كثرة.
ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض مع ضرب المثل فقال:
(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) أي ولا تكونوا أيها القوم فى نقضكم أيمانكم بعد توكيدها، وإعطائكم ربكم العهود والمواثيق كمن تنقض غزلها بعد إبرامه، وتنفشه بعد أن جعلته طاقات، حماقة منها وجهلا.
قال السّدّى: هذه امرأة خرقاء كانت بمكة، كلما غزلت غزلا نقضته بعد إبرامه.
والخلاصة- إنه تعالى شبه حال الناقض للعهد بحال من تنقض غزلها بعد قتله وإبرامه، تحذيرا للمخاطبين، وتنبيها إلى أن هذا ليس من فعل العقلاء، وصاحبه فى زمرة الحمق من النساء.
(تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) أي تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم- خديعة وغرورا ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر وترك الوفاء بالعهد، والنّقلة إلى غيرهم من أجل أنهم أكثر منهم عددا وعددا وأعز نفرا، بل عليكم بالوفاء بالعهود والمحافظة عليها فى كل حال.
قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز نفرا فينقضون.
حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز نفرا فنهوا عن ذلك، وقيل هو تحذير للمؤمنين أن يغتروا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبي صلى الله عليه وسلّم.
(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ) أي إنما يعاملكم الله معاملة المختبر، بأمره إياكم بالوفاء بعهده