ثم ذكر الحال التي يسوغ فيها تناول شىء من هذه المحرمات فقال:
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي فمن اضطر إلى تناول شىء من هذه المحرمات لمجاعة حلت به، وضرورة دعته إلى أخذ شىء منها، غير باغ على مضطر آخر ولا متعدّ قدر الضرورة وسد الرمق- فالله لا يؤاخذه على ذلك وهو الذي يستر ما يصدر منهم من الهفوات، وهو الرحيم بهم أن يعاقبهم على مثل ذلك، أما ما حرموه غير ذلك من البحائر والسوائب والوصائل ونحوها مما تقدم فى سورة الأنعام فهو محض افتراء على الله، وقد تقدم مثل هذه الآية فى سور البقرة والمائدة والأنعام وفيها حصر المحرمات فى هذه الأربع فحسب.
ثم أكد حصر المحرمات فى هذه الأربع ونهى عن التحريم والتحليل بالأهواء فقال:
(وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام بالرأى والهوى، فلا تقولوا ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، ولا تحللوا الميتة والدم ولحم الخنزير إلخ.
وخلاصة ذلك- لا تحللوا ولا تحرموا لمجرد وصف ألسنتكم الكذب وتصويرها له دون استناد إلى دليل، وكأنّ ألسنتكم لأنها منشأ الكذب وينبوعه شخص عالم بحقيقته، ومحيط بكنهه، يصفه للناس ويوضحه لهم أتم إيضاح.
(لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) أي لتكون عاقبة أمركم إسناد التحريم والتحليل إلى الله كذبا من غير أن يكون ذلك منه، فالله لم يحرم من ذلك ما تحرمون ولا أحل كثيرا مما تحللون.
وإجمال ذلك- لا تسموا ما لم يأتكم حله ولا حرمته عن الله ورسوله حلالا وحراما فتكونوا كاذبين عليه، لأن مدار الحل والحرمة عليه ليس إلا حكمة تعالى.
عن أبى نضرة قال: قرأت هذه الآية فى سورة النحل فلم أزل أخاف الفتيا إلى