الهجرة والانضواء تحت لوائه، وجديرا بما يحتمله من أعباء عظام، وتكاليف شاقة، من حروب دينية، وقيام بدعوة عظيمة تستتبع همة قعساء، وإنشاء دولة تبتلع المعمور فى ذلك الحين شرقا وغربا.
(٢) إن الله أطلع رسوله على ما فى هذا الكون أرضيّه وسماويّه من العظمة والجلال، ليكون ذلك درسا عمليا لتعليم رسوله بالمشاهدة والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسح فى أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء- فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهما إلا بضرب من التخيل والتوهم، فأنّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حبس عنا الكثير من العلم ولم نؤت إلا قليله «وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا» .
(٣) إن ما يجدّ كل يوم من ضروب المخترعات، والتوسل بها إلى طى المسافات، بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات فى قليل الساعات، من قارة إلى قارة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أن ما جاء فى وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
(٤) إن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيّل إلينا من العوائق العملية، من صعوبة الوصول إلى الملأ الأعلى، لتخلخل الهواء، واستحالة الوصول إلى الطبقات العليا من السماء، فهو إنما يكون بالنظر إلى الأجرام والأجساد المشاهدة فى عالم الحس، وإن لروحانية الأنبياء والملائكة أحكاما لم يصل العقل البشرى إلى تحديدها وإبداء الرأى فيها، وإنها لفوق مستوى إدراكه، فأجدر بنا ألا نطيل البحث فيها ولا التعمق فى استقصاء آثارها.
(٥) إن ما جاء فى الحديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلّم صلى إماما بالأنبياء فى عالم السموات ليرشد إلى أن محمدا صلى الله عليه وسلّم جاء بشريعة ختمت الشرائع