الركون همّك، لا ستحققت تضعيف العذاب عليك فى الدنيا والآخرة، ولصار عذابك مثلى عذاب المشرك فى الدنيا ومثلى عذابه فى الآخرة.
وقد ذكروا فى حكمة هذا- أن الخطير إذا ارتكب جرما وخطا خطيئة يكون سببا فى ارتكاب غيره مثله والاحتجاج به، فكأنه سن ذلك،
وقد جاء فى الأثر- «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» .
(ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) أي ثم لا تجد من يدفع العذاب أو يرفعه عنك.
روى عن قتادة أنه قال:«لما نزل قوله: وإن كادوا ليفتنونك إلخ قال صلى الله عليه وسلّم: اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين»
فينبغى للمؤمن أن يتدبّرها حين تلاوتها، ويستشعر الخشية، ويستمسك بأهداب دينه، ويقول كما
قال النبي صلى الله عليه وسلّم «اللهم لا تكلنى إلى نفسى طرفة عين» .
(وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها) أي ولقد كاد أهل مكة يزعجونك ويستخفونك بعداوتهم ومكرهم من الأرض التي أنت فيها ليخرجوك منها، بما فعلوه من حصرك والتضييق عليك وقد وقع ذلك بعد نزول الآية وصار ذلك سببا لخروجه صلى الله عليه وسلّم.
(وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا) أي ولو استفزوك فخرجت لا يبقون بعدك إلا زمانا قليلا.
وفى هذا وعيد لهم بإهلاكهم بعد خروجه بقليل، وقد تحقق ذلك بإفناء صناديد قريش فى وقعة بدر لثمانية عشر شهرا من ذلك التاريخ.
(سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) أي هكذا عادتنا فى الذين كفروا برسلنا وآذوهم بخروج الرسول من بين أظهرهم أن يأتيهم العذاب، ولولا أنه صلى الله عليه وسلّم رسول الرحمة لجاءهم من النقم ما لا قبل لهم به، ومن ثم قال تعالى:«وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم» الآية.