(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الأمر واحد الأمور: أي الروح شأن من شؤونه تعالى، حدث بتكوينه وإبداعه من غير مادة، وقد استأثر بعلمه، لا يعلمه إلا هو، لأنكم لا تعملون إلا ما تراه، حواسكم وتتصرف فيه عقولكم، ولا تعلمون من المادة إلا بعض أوصافها كالألوان والحركات للبصر، والأصوات للسمع، والطعوم للذوق، والمشمومات للشم، والحرارة والبرودة للمس، فلا يتسنى لكم إدراك ما هو غير مادى كالروح.
وللعلماء فى حقيقة الروح أقوال كثيرة أولاها بالاعتبار قولان:
(١) إن الروح جسم نورانى حىّ متحرك من العالم العلوي، مخالف بطبعه لهذا الجسم المحسوس، سار فيه سريان الماء فى الورد، والدّهن فى الزيتون، والنار فى الفحم، لا يقبل التبدل والتفرق والتمزق، يفيد الجسم المحسوس الحياة وتوابعها ما دام صالحا لقبول الفيض وعدم حدوث ما يمنع السريان، وإلا حدث الموت، واختاره الرازي وابن القيم فى كتاب الرّوح.
(٢) إنه ليس بجسم ولا جسمانى، متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف، وإلى هذا ذهب حجة الإسلام الغزالي وأبو القاسم الراغب الأصفهانى.
ثم أكد عدم علم أحد بها بقوله:
(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) أي وما أوتيتم من العلم إلا علما قليلا تستفيدونه من طرق الحس. فعلومنا ومعارفنا النظرية طريق حصولها الحواس، ومن ثم قالوا:
من فقد حسا فقد علما.
روى أنه لما نزلت الآية قالت اليهود: أوتينا علما كثيرا، أوتينا التوراة، ومن أوتى التوراة فقد أوتى خيرا كثيرا، فنزل قوله «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً» .
وخلاصة ذلك- إنه ما أطلعكم من علمه إلا على القليل، والذي تسألون عنه من أمر الروح مما استأثر بعلمه تبارك وتعالى ولم يطلعكم عليه.