ولا ينطقون بالحق ويتصامون عن استماعه، فهم فى الآخرة لا يبصرون ما تقر به أعينهم، ولا يسمعون ما يلذّ لمسامعهم، ولا ينطقون بما يقبل منهم كما قال:«ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا» .
روى البخاري ومسلم عن أنس رضى الله عنه أنه قال:«قيل يا رسول الله، كيف يمشى الناس على وجوههم؟ قال: الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم» .
وروى الترمذي:«إن الناس يكونون ثلاثة أصناف فى الحشر: مشاة، وركبانا، وعلى وجوههم» .
وإنا نرى فى الدنيا من الحيوان ما هو طائر، ومنه ما هو ماش، ومنه ما هو زاحف كالحيات وهوامّ الأرض.
والقسم الأخير من الأقسام الثلاثة فى الحديث أقرب إلى هيئة الزواحف بحيث يبقى الوجه فى الأرض وتحيط به زوائد كالأرجل الصغيرة الحيوانية، وهو يهيم على وجهه.
والخلاصة- إنهم يبعثون فى أقبح صورة، وأشنع منظر، قد جمع الله لهم بين عمى البصر وعدم النطق وعدم السمع مع كونهم مسحوبين على وجوههم كما يفعل فى الدنيا بمن يبالغ فى إهانته وتعذيبه، ويؤيده قوله تعالى:«يوم يسبحون فى النّار على وجوههم» .
(مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي ثم بعد أن يتم حسابهم يكون منقلبهم ومصيرهم جهنم، كلما سكن لهيبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم ولم يبق ما تتعلق به وتحرقه، زدناها لهبا وتوقدا بأن نعيدهم إلى ما كانوا عليه فتستعر وتتوقد.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال:
إن الكفار وقود النار، فإذا أحرقتهم ولم يبق شىء صارت جمرا تتوهّج، فذلك خبوها، فإذا بدّلوا خلقا جديدا عاودتهم اه.