بما يعتقده القلب، فكيف ساغ لهم أن يجرءوا على التلفظ بهذا المنكر الذي لا مستند له من عقل ولا نقل؟.
ثم أكد هذا الإنكار وبين أنه كما لا علم لهم ولآبائهم به- لا علم لأحد به، لأنه لا وجود له، وما هو إلا محض اختلاق بقوله:
(إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) أي ما يقولون إلا قولا لا حقيقة له بحال.
(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) لعل هنا للاستفهام الإنكارى المتضمن معنى النهى- أي لا تبخع نفسك من بعد توليهم عن الإيمان وإعراضهم عنه أسفا وحسرة عليهم.
أي إنك قد اشتد وجدك عليهم، وبلغت حالا من الأسى والحسرة صرت فيها أشبه بحال من يحدّث نفسه أن يبخعها أسى وحسرة عليهم، وما كان من حقك أن تفعل ذلك، إن عليك إلا البلاغ، وليس عليك الهداية «ليس عليك هداهم ولكنّ الله يهدى من يشاء» .
وقد جاء مثل هذا النهى فى آيات كثيرة كقوله «لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» وقوله «فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» وقوله «وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» .
وخلاصة ذلك- أبلغهم رسالة ربك، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تذهب نفسك عليهم أسى وحسرة، فإنما أنت منذر، ولست عليهم بمسيطر، إن عليك إلا البلاغ ثم ذكر سبحانه سبب إرشاده إلى الإعراض عنهم بغير ما يقدر عليه من التبليغ بالبشارة والنذارة، وهو أنه تعالى جعل ما على الأرض زينة لها، ليختبر المحسن والمسيء، ويجازى كلا بما يستحق فقال:
(إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) أي إنا جعلنا ما على الأرض من حيوان ونبات ومعادن زينة لها ولأهلها، لنختبر حالهم فى فهم