(كانَ مِنَ الْجِنِّ) أي إن الذي منعه من السجود أنه كان جنيا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة، مغمورا بينهم، متصفا بصفاتهم، بدليل أنه قال:
«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ» ولأنه تعالى أثبت له فى هذه الآية ذرية ونسلا والملائكة لا ينسلون، ولأن الملائكة لا يستكبرون وهو قد استكبر.
ويرى قوم أنه كان من الملائكة بدليل أن خطاب السجود كان معهم، ولأن وصف الملائكة بأنهم لا يعصون الله ما أمرهم، دليل على أنه يتصور منهم العصيان، ولولا ذلك ما مدحوا به، لكن طاعتهم طبع، وعصيانهم تكلف، وطاعة البشر تكلف، ومتابعة الهوى منهم طبع، ولأنه تعالى ذكر من هاروت وماروت ما ذكر، وهما ملكان.
على أنه لا دليل على أن هناك فروقا جوهرية بين الملائكة والجن، بها يمتاز أحدهما من الآخر، بل هى فروق فى الصفات فحسب، والجميع من عالم الغيب لا نعلم حقيقتهم ولا نضيف إليها شيئا إلا إذا ورد به نص عن المعصوم.
(فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي فصار فاسقا كافرا بسبب أمر الله للملائكة المعدود هو فى عدادهم، إذ لولا الأمر ما تحقق إباء.
وفى الآية إيماء إلى أن فسقه قد نتج عن كونه من الجن، إذ أن من شأنهم التمرد والعصيان لكدورة مادتهم، وخباثة ذاتهم (وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) وإن كان منهم من أطاع وآمن.
ثم حذر سبحانه من اتباعه بعد أن استبان من حاله ما استبان فقال:
(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ؟) أي وبعد العلم بما صدر منه من القبائح لا ينبغى لكم أن تتخذوه وأولاده وأعوانه أولياء لكم من دونى تطيعونهم بدل طاعتى وهم لكم أعداء.
وجملة المعنى- كيف تصنعون هذا الصنيع وتستبدلون بمن خلقكم وأنعم عليكم