للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة ذلك- إن الرسل ما أرسلوا للجدل والشغب بالباطل، بل بعثوا للبشارة والإنذار، وأنتم تجادلون بالباطل لتدحضوا الحق الذي جاءكم به رسولى.

(وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) أي واتخذوا الحجج التي احتج بها عليهم، وكتابه الذي أنزل إليهم، والنذر التي أنذرهم بها العقاب والعذاب- استهزاء وسخرية كقولهم: «وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» وقولهم: «لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا» .

ولما حكى عنهم خبيث أحوالهم وصفهم بما يوجب الخزي والنكال فقال:

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ؟) أي لا أحد أظلم ممن وعظ بآيات الله، ودلّ بها على سبيل الرشاد، وهدى بها إلى طريق النجاة، فأعرض عنها ولم يتدبرها ولم يتعظ بها، ونسى ما عمله من الكفر والمعاصي أي لم يتفكر فى عواقبه، ومن ثم لم يتب منها ولم ينب إلى ربه.

ثم علل ذلك الإعراض والنسيان بقوله:

(إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي إن ذلك الإعراض منهم بسبب أن جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا ما ذكّروا به، وجعلنا فى آذانهم ثقلا لئلا يسمعوه، والمراد أنه لا يدع شيئا من الخير يصل إليها، فهى لا تعى شيئا من الآيات إذا تليت عليها.

ذاك أنهم فقدوا الاستعداد لقبول الرشاد، بما دنسوا به أنفسهم من قبيح الافعال والأقوال، وبما اجترحوا من الكفر والفسوق والعصيان، فأصبح بينهم وبين سماع الحق حجاب غليظ، فلا ينفذ إلى السمع شىء مما يسمع سماع تدبر واتعاظ، ولا إلى القلب شىء مما يقال فيعيه وينتفع به كما قال: «كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» وقال: «خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>