وخلاصة ذلك- أن من قدر على خلق الذوات والصفات والآثار من العدم، أجدر به أن يكون قادرا على تبديل الصفات، فيعيد إليه وإلى زوجه القوة وسائر الوسائل التي بها يمكن أن ينشأ منهما الولد كما قال «فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه» .
ثم أخبر سبحانه أن زكريا تاقت نفسه إلى سرعة وجود المبشّر به، ليطمئن قلبه بما وعد به كما قال إبراهيم من قبله «رب أرنى كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبى» فقال حاكيا عنه:
(قال رب اجعل لى آية) أي قال رب اجعل لى علامة تدلنى على تحقق المسئول فى زمن معين، إذ كانت البشارة غير مقيدة بوقت، والحمل خفى فى مبدئه ولا سيما ممن انقطع حيضها لكبرها- إلى أنه أراد أن يطلعه على ذلك ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر حين حدوثها.
ثم بين أنه أجابه إلى ما طلب فقال:
(قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) أي علامتك على وجود المبشر به وحصول الحمل، ألا تقدر على تكليم الناس بكلامهم المعروف فى محاوراتهم وثلاث ليال وأنت صحيح، سوىّ الخلق، سليم الجوارح، ليس بك علة ولا مرض؟.
وجاء فى سورة آل عمران «قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا» .
(فخرج على قومه من المحراب) أي فخرج غبّ إعلام الله له بهذه الآية على قومه من المحراب (وهو المسمى عند أهل الكتاب بالمذبح وهو مقصورة فى مقدّم المعبد لها باب يصعد إليه بسلم ذى درج قليلة يكون من فيه محجوبا عمن فى المعبد) ممتقع اللون منطلق اللسان بذكر الله منحبسه عن كلام الناس (وقد كانوا ينتظرون أن يفتح لهم الباب، إذ كان من عادتهم أن يصلوا معه صلاتى الغداة والعشى فى محرابه) فقالوا مالك يا نبى الله؟.