ما يستخفّ به كل ذى لبّ، ويأبى الركون إليه كل ذى عقل، فالعبادة هى الغاية القصوى فى التعظيم، فلا يستحقها إلا الخالق الرازق، المحيي المميت، المثيب المعاقب، لا الأصنام التي لا تسمع الأصوات، ولا تنظر الأشياء، وتعجز عن جلب المنافع، ودفع المضار.
وقصارى ما قال- إن الإنسان السميع البصير يأنف أن يعبد نظيره، فكيف تعبد ما خرج عن الألوهية بفقره وضعفه واحتياجه إلى من يصنعه، وعن الإنسانية بفقد العقل، وعن الحيوانية بفقد الحواس.
أما كان لك عبرة فى حاجته وفقده السمع والبصر؟.
(يا أبت إنى قد جاءنى من العلم ما لم يأتك فاتبعنى أهدك صراطا سويا) أي يا أبى إنى وإن كنت من صلبك، وترانى أصغر منك لأنى ولدك، فاعلم أنى قد اطّلعت من العلم على ما لم تعلمه أنت ولا اطلعت عليه، فاتبعنى أهدك طريقا مستقيما لا زيغ فيه، يوصلك إلى نيل المطلوب، وينجيك من كل مرهوب.
وفى قوله: قد جاءنى إيماء إلى أن هذه المحاورة كانت بعد أن نبّىء، ولم يعين ما جاءه ليشمل كل ما يوصّله إلى الجنة ونعيمها، ويبعد به عن النار وعذابها.
(يا أبت لا تعبد الشيطان) أي لا تطع الشيطان فى عبادة هذه الأصنام، فإنه هو الداعي إلى عبادتها والموسوس بها.
ونحو الآية قوله:«ألم أعهد إليكم يا بنى آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين» وقوله: «إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا» .
ثم بين سبب النهى عن طاعته بقوله:
(إن الشيطان كان للرحمن عصيا) أي إن الشيطان عاص مستكبر عمن شملته