(٢)(لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما) أي لا يسمع المتقون فيها فضول القول وما لا طائل تحته، ولكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم بما يشعرهم بالأمان والاطمئنان، وهما منتهى السعادة، والدنيا لا طمأنينة فيها ولا استقرار، فلا سعادة فيها ولا نعيم، ومن ثم طلب إلينا أن ندعو فى الصلاة بالأمان ونقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ولا شك أن تكرار هذه العبارة فى الصلوات يحدث فى النفس أثرا إذا أدركت مغزاها، ويشعر بأن الله لم يخلق العالم إلا لغاية واحدة وهى الطمأنينة، ولا تكون إلا إذا أمن المرء الفقر والمرض والشيخوخة، وأنى لنا بذلك فى الدنيا؟ وإنما تكون الطمأنينة لعباده المتقين فى الآخرة، وهذا المعنى هو الذي تترجم عنه الجملة (السلام عليكم) أي إن الأمان سيحققه الله لكم، بأن يأمن يعضكم بعضا فى الدنيا وفى الآخرة بالخروج من جميع المآزق.
وهذا الدعاء أمنية من أمانى النفوس، لا تتحقق إلا إذا أمن الإنسان العذاب والعقاب، وانتهى الحساب، وارتفع السوء كالمرض والموت والفقر والذل يوم القيامة.
(٣)(ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) أي ولهم ما يشتهون من المطاعم والمشارب فى قدر وقت البكرة ووقت العشى من نهار أيام الدنيا: أي إن الذي بين غدائهم وعشائهم فى الجنة قدر ما بين غداء أحدنا فى الدنيا وعشائه.
وخلاصة ذلك- إنه لا بكرة فى الجنة ولا عشى، إذ لا ليل ولا نهار، وإنما يؤتون بأرزاقهم فى مقدار طرفى النهار كما كانوا فى الدنيا ولما ذكر أن هذه الجنة تخالف جنات الدنيا- ذكر الدواعي التي توجب استحقاقها فقال:
(تلك الجنة التى نورث من عبادنا من كان تقيا) أي هذه الجنة التي وصفت بهذه الصفات الشريفة، نورثها عبادنا المتقين الذين يطيعون الله فى السر والعلن،