من أنفسهم، وكأن الله ألهمهم ذلك، وعلم موسى أن من الخير له اختيار إلقائهم أولا، لأنهم إذا أبرزوا ما معهم من مكايد السحر واستنفذوا أقصى مجهودهم، أظهر الله سلطانه، وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلّط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين وعبرة بينة للمعتبرين، ومن ثم حكى عنه.
(قال بل ألقوا) أي بل ألقوا أنتم أوّلا لنرى ما تصنعون من السحر، ويظهر للناس حقيقة أمركم، وحين ألقوا:«قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون» .
(فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) أي فألقوا ما معهم من الحبال والعصىّ فخيّل إلى موسى أنها تمشى، وجاء فى آية أخرى «سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤ بسحر عظيم» .
قيل إنهم حشوها بالزئبق الذي من طبعه أن يتأثر سريعا بحرارة الشمس، فما أسرع ما تحركت تلك الحبال والعصى حين سقطت عليها أشعة الشمس، فامتلأ الوادي بحيات يركب بعضها بعضا.
وخلاصة ذلك- إنهم حشوها بزئبق أو بمادة أخرى إذا وقعت عليها الشمس اضطربت وتحركت واتصل بعضها ببعض، فمن رآها ظن أنها تمشى وتسعى.
(فأوجس فى نفسه خيفة موسى) أي فأوجس موسى بشىء من الخوف حين فوجىء بذلك على مقتضى الطبيعة البشرية حين ترى الأمر المهول المخيف.
ثم أبان سبحانه أنه ربط على قلبه فقال:
(قلنا لا تخف) أي قلنا: له هدّىء روعك، واطمئن بالا.
ثم علل ذلك بقوله:
(إنك أنت الأعلى) أي إنك ستنتصر عليهم وستكون لك الغلبة، فالعاقبة للمتقين.
(وألق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا) أي وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروا بها أعين الناس حتى خيل إليك أنها تسعى.