فى الكلام- للإيذان بأن علمه تعالى بالأمرين على وتيرة واحدة، لا تفاوت فيه بالجلاء والخفاء كما فى علوم العباد.
وخلاصة ذلك- إنه يعلم هذا الضرب من الكلام وأعلى منه وأدنى منه، وفى هذا مبالغة فى علمه تعالى بكل ما يمكن أن يسمع أو يعلم.
ثم بين سبحانه أنهم اقتسموا القول فى النبي صلّى الله عليه وسلّم وفيما يقوله فقال:
(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ، بَلِ افْتَراهُ، بَلْ هُوَ شاعِرٌ) أي إنهم لم يقتصروا على قولهم السابق (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) وعلى قولهم فيما ظهر على يديه أنه سحر- بل قال بعضهم: أخلاط أحلام قد رآها فى النوم، وقال آخرون: بل اختلقه من تلقاء نفسه ونسبه إلى الله، وقال قوم: بل هو شاعر وما أتى به شعر يخيل إلى السامع معانى لا حقيقة لها.
وخلاصة ذلك- إنهم ما صدّقوا بحكمة هذا القرآن، ولا أقروا أنه من عند الله، ولا أنه وحي أوحاه الله إليه، بل قالوا هذه المقالات.
وهذا الاضطراب والتردد فى القول دأب المحجوج المغلوب على أمره، لا يتردد إلا بين باطل وأبطل منه، ويتذبذب بين فاسد وأفسد منه.
وقد ذكرت هذه المقالات على هذا الوضع، إشارة إلى ترقيها فى الفساد، فإن كونها سحرا أقرب من كونها أضغاث أحلام، فقد يقال:«إن من البيان لسحرا» ، بخلاف تخاليط الكلام التي لا تضبط، ولا شبه لها بهذا النظم البديع، وادّعاء كونها مفتريات أبعد وأبعد، لأنه عليه الصلاة والسلام قد شهر بالأمانة والصدق- إلى أنهم أعرف الناس بالفرق بين المنظوم والمنثور، وبين ما يساق له الشعر، وما سيق له هذا الكلام، إلى أنهم يعلمون من مخالطته مدى أربعين سنة أنه لا يتسهل له الشعر وإن أراده.
ولما قد حوا فى القرآن طلبوا آية أخرى غيره فقالوا:
(فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) أي إن كان صادقا فى أن الله بعثه رسولا إلينا، وأن الذي يتلوه وحي أوحاه الله إليه- فليأتنا بحجة تدل على ما يقول ويدّعى كما جاء