بالبراهين القاطعة، والحجج الساطعة، كالشاهد الذي يكون قوله الفصل فى إثبات الدعوى، وإحقاق الحق.
وبعد أن أقام البرهان على إثبات الحق أتبعه بالتهديد لهدم الباطل ومحو آثاره، وأنه سينتقل من المحاجة القولية إلى تغيير المنكر بالفعل ثقة بالله، ومخاماة عن دينه، جمعا بين القول والفعل (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) أي وتالله القوى العظيم لأجتهدنّ فى كسر أصنامكم وإلحاق الأذى بها بعد أن تذهبوا إلى عيدكم، وقد فعل ذلك عليه السلام، ليرشدهم إلى ما هم فيه من الضلال، ويبين لهم خطأهم على ألطف أسلوب، وأتم وجه.
وفى التعبير بالكيد إيذان بصعوبة انتهاز الفرصة، وتوقفها على استعمال الحيلة فى كل زمان، ولا سيما زمن نمرود، على عتوه واستكباره، وقوة سلطانه وتهالكه على نصرة دينه.
قال مجاهد وقتادة: قال إبراهيم هذه المقالة سرا من قومه ولم يسمع ذلك إلا رجل واحد، فأفشاه عليه وقال: إنا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم.
وقال السّدّى: كان لهم فى كل سنة مجمع عيد، وكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ثم عادوا إلى منازلهم، فلما كان ذلك العيد قال آزر:
يا إبراهيم لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم، ولما كان ببعض الطريق ألقى بنفسه وقال إنى سقيم أشتكى برجلي، فلما مضوا نادى فى آخرهم وقد بقي فيهم ضعفاء الناس: تالله لأكيدنّ أصنامكم، فسمعوها منه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة وهى فى بهو عظيم، وكان مستقبل هذا البهو صنم عظيم إلى جنبيه أصغر منه والأصنام بعضها إلى جنب بعض، كل صنم يليه أصغر منه إلى باب البهو، وإذا هم قد جعلوا طعاما فوضعوه بين يدى الآلهة وقالوا إذا رجعنا وباركت الآلهة عليه أكلنا منه، فلما نظر إبراهيم إليهم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال لهم مستهزئا: