وقتال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الصدر الأوّل كان دفاعا عن الحقّ وأهله وحماية دعوة الدين، فكانوا يبدءون أولا بالدعوة بالحجة والبرهان، فإذا منعوا بالقوّة وهدّد الداعي أو قتل قاتلوا حماية للدعاة ونشرا للدعوة، لا للإكراه على الدخول فى الدين، إذ ذاك منهى عنه بنحو قوله تعالى:«أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» .
فإذا لم يوجد من يصدّ الدعوة أو يهدد الدعاة ويعتدى على المؤمنين، فلا يفرض علينا الجهاد لسفك الدماء وإزهاق الأرواح، ولا للطمع في الغنائم والأنفال.
وجملة القول: إن القتال شرع للدفاع عن الحق وأهله وحماية الدعوة ونشرها، فعلى من يدّعى من الملوك والأمراء أنه يحارب للدين أن يحيى الدعوة الإسلامية ويعدّ لها عدّتها من العلم والحجة بحسب حال العصر وعلومه، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان.
ولم يشهد التاريخ أمة قوية رحيمة بالضعفاء في فتوحها كالأمة العربية، كما اعترف بذلك المنصفون من الإفرنج، فقد قال جوستاف لو بون الفيلسوف الفرنسى: ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب، وما يتجنّى به أعداء الإسلام من دعواهم أن الإسلام قام بالسيف، فقول يكذبه التاريخ ولا يؤيده من ينظر إلى الأمور بعين الإنصاف ويدع الهوى وراءه ظهريا.