(إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) أي ما حياة إلا هذه حياة فى الدنيا، تموت الأحياء منا فلا تحيا، ويحدث آخرون منا ويولدون، وما نحن مبعوثين بعد الموت، إنما مثلنا مثل الزرع يحصد هذا وينبت ذاك والخلاصة- إنه يموت منا من هو موجود، وينشأ آخرون بعدهم.
وبعد أن كان أمرهم معه مقصورا على الاستبعاد فحسب، جاهروا بتكذيبه فيما يدعى فقالوا:
(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) أي ما هود إلا رجل يختلق الكذب على الله، فتارة يقول: مالكم من إله غير الله خالق السموات والأرض وأخرى يقول: إنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون، وما نحن بمصدقيه فيما يدّعى ويزعم من التوحيد والبعث.
ولما يئس هود من إيمانهم بعد ذكر هذه المقالة «وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ» فزع إلى ربه (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) أي قال بعد أن يئس من إيمانهم وقد سلك فى دعوتهم كل مسلك، متضرعا إلى ربه: رب انصرني عليهم وانتقم لى منهم بتكذيبهم إياى فيما دعوتهم إليه من الحق وإصرارهم على الباطل.
فأجابه ربه إلى ما سأل.
(قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) أي قال تعالى مجيبا دعاءه: ليصيرنّ مكذبوك بعد زمن قليل نادمين على ما فعلوا، وستحل بهم نقمتنا، ولا ينفعهم الندم حينئذ.
ثم أخبر أنه أنجز وعيده فيهم فقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) أي فسلطنا عليهم نقمتنا فأخذهم العذاب الذي لا قبل لهم به، وقد كانوا لمثله مستحقين، بسبب كفرهم وتكذيبهم برسوله، فجعلناهم كغثاء السيل، لاغناء فيهم، ولا فائدة ترجى منهم.