وأخاه هرون إلى فرعون وأشراف قومه من القبط، بالآيات والحجج الدامغة، والبراهين القاطعة، فاستكبروا عن اتباعهما والانقياد لما أمروا به ودعوا إليه، من الإيمان وترك تعذيب بنى إسرائيل كما جاء فى سورة النازعات:«اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى» وقد كان من دأبهم العتوّ والبغي على الناس وظلمهم كبرا وعلوا فى الأرض.
ثم ذكر ما استتبعه هذا العتو والجبروت.
(فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ؟) أي فقال فرعون وملؤه كيف ندين لموسى وأخيه، وبنو إسرائيل قومهما خدمنا وعبيدنا يخضعون لنا ويتلقّون أوامرنا؟
وما قصدوا بهذا إلا الزراية بهما والحط من قدرهما، وبيان أن مثلهما غير جدير بمنصب الرسالة، وقد قاسوا الشرف الديني والإمامة فى تبليغ الوحى عن الله بالرياسة الدنيوية المبنية على نيل الجاه والمال.
وهم فى هذا أشبه بقريش إذ قالوا:«لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» وقد فاتهم أن مدار أمر النبوة والاصطفاء للرسالة إنما هو السبق فى الفضائل النفسية والصفات السنية التي يتفضل الله بها على من يشاء من عباده، فالأنبياء لصفاء نفوسهم يتصلون بالعالم العلوي وعالم المادة، فيتلقون الوحى من الملأ الأعلى ويبلغونه إلى البشر، ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق، عن التبتل والانقطاع إلى حضرة الحق.
وإن تعجب من شىء فاعجب لهؤلاء وأمثالهم ممن لم يرض النبوة للبشر، كيف سوّغت لهم أنفسهم ادعاء الألوهية للحجر:«فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ» .
ثم ذكر عاقبة أعمالهم وما آل إليه أمرهم فقال:
(فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) أي فأصر فرعون وملؤه على تكذيب موسى