وفى تقديم أكل الطيبات على العمل الصالح إيماء إلى أن العمل الصالح لا يتقبّل إلا إذا سبق بأكل المال الحلال.
وجاء فى بعض الأخبار «إن الله تعالى لا يقبل عبادة من فى جوفه لقمة من حرام»
وصح أيضا
«أيّما لحم نبت من سحت فالنار أولى به» .
ثم علل هذا الأمر بقوله:
(إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) أي إنى بأعمالكم عليم، لا يخفى على شىء منها، وأنا مجازيكم بجميعها، وموفّيكم أجوركم، وثوابكم عليها، فخذوا فى صالح الأعمال، واجتهدوا قدر طاقتكم فيها، شكرا لربكم على ما أنعم به عليكم وفى هذا تحذير من مخالفتهم ما أمروا به، وإذا قيل للأنبياء ذلك فما أجدر أممهم أن تأخذ حذرها، وترعوى عن غيها، وتخشى بأس الله وشديد عقابه.
(وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي وإن دينكم معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة، وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
واختلاف الشرائع والأحكام بحسب اختلاف الأزمان والأحوال لا يسمى اختلافا فى الدين، لأن الأصول واحدة.
(وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) أي وإنى أنا ربكم لا شريك لى فى الربوبية فاحذرو عقابى وخافوا عذابى.
وفى هذا إيماء إلى أن دين الجميع واحد فيما يتصل بمعرفة الله واتقاء معاصيه.
ثم بين أن أمم أولئك الرسل خالفوا أمر رسلهم واتبعوا أهواءهم وجعلوا دينهم فرقا وشيعا فقال:
(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي فتفرق أتباع الأنبياء فرقا وجماعات، وأصبح كل فريق معجبا بنفسه، فرحا بما عنده، معتقدا أنه الحق الذي لا معدل عنه.