وقال الضحاك: الذي تولى كبره حسان ومسطح فجلدهما صلّى الله عليه وسلّم حين أنزل الله عذرها، وجلد معهما امرأة من قريش، وإنما أضاف الكبر إليه، لأنه ابتدأ بذلك القول، لاجرم حصل له من العقاب مثل ما حصل لكل من قال ذلك،
لقوله عليه الصلاة والسلام «من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» .
ثم عاتب الله أهل الإيمان به فيما وقع فى أنفسهم من إرجاف من أرجف فى أمر عائشة وزجرهم بتسعة أمور:
(١)(لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي هلا إذ سمعتم ما قال أهل الإفك فى عائشة ظنتم بمن اتّهم بذلك خيرا، لأن الإيمان يحملكم على إحسان الظن، ويكفّكم عن إساءتكم أنفسكم أي أمثالكم من المؤمنين الذين هم كأنفسكم كما قال «وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ» وقال «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» وهلا قلتم حينئذ: هذا كذب ظاهر مكشوف؟ فإن الذي وقع لم يكن فيه ما يرتاب منه- ذاك أن مجىء أم المؤمنين راكبة جهرة على راحلة صفوان وقت الظهيرة والجيش أجمعه يشاهد ذلك، ورسول الله بين أظهرهم ينفى كل شك، وإنما قيل ما قيل لحسد فى القلوب كامن، وبغض فى النفس مكتوم.
ثم علل سبحانه كذب الآفكين ووبّخهم على ما اختلفوه وأذاعوه بقوله:
(٢)(لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي هلا جاء الخائضون فى الإفك بأربعة شهداء يشهدون على ثبوت ما قالوا وما رموها به.
(فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) أي فحين لم يقيموا بينة على ما قالوا فأولئك المفسدون هم الكاذبون فى حكم الله وشرعه.
(٣)(وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي ولولا تفضله سبحانه عليكم فى الدنيا بضروب النعم التي من أجلّها الإمهال للتوبة، ورحمته فى الآخرة بالعفو بعد التوبة- لعجل لكم العقاب فى الدنيا من جراء ما خضتم فيه من حديث الإفك والبهتان.