للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبمن جاء به ويظنون أنها تنفعهم عند الله وتنجيهم من عذابه، ثم تخيب فى العاقبة آمالهم ويلقون خلاف ما قدّروا- بالسراب يراه من اشتد به العطش فيحسبه ماء فيطلبه ويظن أنه قد حصل على ما يبغى، حتى إذا جاءه لم يجد شيئا- هكذا حال الكافرين يحسبون أعمالهم نافعة منجيّة لهم من بأس الله، حتى إذا جاءهم العذاب يوم القيامة لم تنفعهم ولم تغنهم من عقابه إلا كما ينتفع بالسراب من اشتد ظمؤه، واحتاج إلى ما به يروى غلّته.

ثم بين شديد عقابه بقوله:

(وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) أي ووجد عقاب الله الذي توعد به الكافرين أمامه، وتحوّل ما كان يظنه نفعا عظيما إلى ضرر محقق وتجيئه الزبانية تعتله وتسوقه إلى جهنم وتسقيه الحمم والغساق.

ونحو الآية قوله: «وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً» .

(وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) لا يشغله حساب عبد عن حساب آخر.

وخلاصة ما سلف- إن الخيبة والخسران فى الآخرة لمن عملوا صالح الأعمال فى الدنيا كصلة الأرحام، وإغاثة الملهوفين، وقرى الأضياف ونحو ذلك. وظنوا أنها تنجيهم من عذاب ربهم، وهم مع ذلك جاحدو ووحدانيته مكذبون لرسله، فما مثلهم إلا مثل من اشتد أوامه ورأى السراب فخاله ماء وظن أنه قد وجد ضالته فسعى إليه، حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ورجع يخفّى حنين.

هذه حالهم فى الآخرة، أما حالهم فى الدنيا فكما قال:

(أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) أي ومثل أعمالهم التي عملت على غير هدى مثل ظلمات مترادفة فى بحر عميق ماؤه، بعيد غوره، يغطّيه موج من فوقه موج من فوقه سحاب- فالظلمات هى أعمال الكافرين، والبحر اللجىّ قلوبهم التي غمرها الجهل، وتغشبتها الحيرة والضلالة، فلا تعقل ما فى السكون من

<<  <  ج: ص:  >  >>