(وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) أي إن ذلك المفسد إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر أسرع إليه الغضب، وعظم عليه الأمر وأخذته الأنفة وطيش السفه، إذ يخيل إليه أن النصح والإرشاد ذلة تنافى العزة التي تليق بأمثاله.
وفي طبع المفسدين النفور ممن يأمرهم بالصلاح، إذ يرون في ذلك تشهيرا بهم وإعلانا لمفاسدهم التي يسترونها بزخرف القول وخلابته، وإن استطاعوا الحبس حبسوا أو ضربوا أو قتلوا.
(فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) أي إن النار مصيره ويكفيه عذابها جزاء له على كبريائه وحميته حمية الجاهلية، وستكون مهاده ومأواه، وهى بئس المهاد وشره، فلا راحة فيها، ولا اطمئنان لأهلها.
قيل لعمر بن الخطاب رضى الله عنه: اتق الله، فوضع خده على الأرض، وقال ابن مسعود: من أكبر الذنوب عند الله أن يقال للعبد اتق الله، فيقول: عليك نفسك أي أصلح نفسك ولا تصلح غيرك.
ثم ذكر الفريق الآخر فقال:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) أي ومن الناس فريق يبيع نفسه لله لا يبغى ثمنا لها غير مرضاته، ولا يتحرى إلا صالح العمل وقول الحق مع الإخلاص فيهما، فلا يتكلم بلسانين، ولا يقابل الناس بوجهين، ولا يؤثر عرض الدنيا وزخرفها على ما عند ربه.
وهذا البيع لا يتحقق إلا إذا جاد المؤمن بنفسه وما له في سبيل الله إذا دعت الضرورة إلى ذلك، كجهاد أعداء الأمة عند الاعتداء عليها، أو الاستيلاء على شيء من أرضها، فمن قدر على الجهاد بنفسه وجب عليه ذلك، ومن قدر عليه بماله وجب عليه ذلك، وإن قدر عليهما معا وجب عليه، فإن قصر في شىء من ذلك فقد آثر نفسه على مرضاة الله وخرج من زمرة المؤمنين الذين باعوا أنفسهم لله.
(وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) فيجازيهم على العمل القليل نعيما دائما، ولا يكلفهم