نسودّك، وإن كنت تريد به ملكا ملّكناك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني إليكم رسولا، وأنزل على كتابا، وأمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم، فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة، وإن تردوه علىّ أصبر حتى يحكم الله بينى وبينكم، قالوا يا محمد:
فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فسل لربك، وسل لنفسك أن يبعث معك ملكا يصدّقك فيما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك عما نراك تبتغى، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا، فأنزل الله فى ذلك هذه الآية.
أخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر.
وبعد أن حكى عنهم أوّلا أنهم يثبتون له كمال العقل ولكنهم ينتقصونه بصفات فى شئون الدنيا- حكى عنهم ثانيا أنهم نفوا عنه العقل بتاتا وادّعوا أنه مختلّ الشعور والإدراك، وإلى هذا أشار بقوله:
(وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً) أي وقال الكافرون الظالمون لأنفسهم بنسبتهم إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما هو منه براء، وما يدل العقل والمشاهد على نفيه عنه: ما تتبعون إلا رجلا سحر فاختلّ عقله فهو لا يعى ما يقول، ومثله لا يطاع له رأى، وهذا منهم ترقّ فى انتقاصه، وأنه لا يصلح للنبوة بحال.
ولما ذكر ضلالاتهم التفت إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم مسليا له بقوله:
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) أي انظر واعجب لهم: كيف جرءوا على التفوّه بتلك الأقاويل العجيبة، فاخترعوا لك صفات وأحوالا بعيدة كل البعد عن صفاتك التي أنت عليها، فضلوا بذلك عن طريق الهدى