أي إنا أعددنا لمن كذب بالبعث والحشر، والنشر والحساب والجزاء نارا تسعر وتتقد عليهم، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ لشدة توقدها، وصوت الزفير الذي يخرج من فم الحزين المتهالك حسرة وألما.
أخرج ابن المنذر وابن جرير عن عبيد بن عمير أنه قال «إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب، ولا نبىّ مرسل إلا ترعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه فيقول: رب لا أسألك اليوم إلا نفسى» .
وإذا ألقوا منها فى مكان ضيق قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم فى الأغلال والسلاسل، استغاثوا وقالوا يا ثبوراه: أي باهلاكنا احضر فهذا وقتك، فيقال لهم:
لا تنادوا هلاكا واحدا وادعوا هلاكا كثيرا: أي إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم منه واحدا، إنما ثبوركم منه كثير، لأن العذاب ألوان وأنواع، ولكل منها ثبور لشدته وفظاعته.
وخلاصة ذلك- إن الله قد أعدّ لمن كذب بالقيامة نارا مستعرة، وإذا كانت منهم بمرأى الناظر فى البعد سمعوا صوت غليانها، وإذا طرحوا منها فى مكان ضيق وهم مقرنون فى السلاسل والأغلال تمنوا الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل:(أشد من الموت ما يتمنى معه الموت) فيقال لهم حينئذ: لا تدعوا هلاكا واحدا فإنه لا يخلّصكم، بل اطلبوا هلاكا كثيرا لتخلصوا به- والمقصد من ذلك تيئيسهم مما علّقوا به أطماعهم من الهلاك، وتنبيه إلى أن عذابهم أبدى لاخلاص لهم منه.
وبعد أن وصف عقاب المكذبين بالساعة، أردفه ما يؤكد حسرتهم وندامتهم فقال:
(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ؟) أي قل لهؤلاء المكذبين تهكما بهم وتحسيرا لهم على مافاتهم: أهذه النار التي وصفت لكم خير أم جنة الخلد التي يدوم نعيمها ولا يبيد، وقد وعدها من اتقاه فى الدنيا بطاعته فيما به أمره ونهاه؟