والآية عبرة للمخاطبين بالقرآن من المؤمنين، فإن ملكهم الذي يتقلص ظله وعزّهم الذي تتخطّفه منهم الأيدى- ما حدث له ما حدث إلا بعد أن بدلوا نعمة الله التي أشار إليها بقوله:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» .
ثم ذكر طبيعة الكافرين الجاحدين قال:
(زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي حسنت الحياة الدنيا للكافرين وأشربت محبتها في قلوبهم فتهالكوا عليها، وتهافتوا فيها، وأعرضوا عن الدين حين ظنوا أن منافعها قد تفوتهم.
والمراد بهم من لا يؤمنون بالحقوق المشروعة لله وللناس، إيمان إذعان وانقياد، بل يؤثرون الدنيا على ما عند الله من النعيم المقيم، وأخصّ صفاتهم أن تكون زينة الدنيا أكبر همهم، فهم يؤثرونها على كل شىء، حتى إن أمر الدين لا يزحزحهم عن شىء يقدرون عليه من هذه الزينة، لأنهم لا يقين لهم في الآخرة، فدينهم تقاليد وخواطر تتنازعها الشبهات، والشكوك والتأويلات فأهل الكتاب- ولهم شريعة إلهية- تفرّقوا واختلفوا في التأويل وارتكبوا التحريف، وكل فريق منهم يعتذر عن ترك العمل بالتوراة بأنه متبع لبعض الأحبار الذين هم أعلم منه بها.
وليس لذلك من سبب إلا الافتتان بزينة الحياة الدنيا الزائلة، وإيثارها على حياة الآخرة الباقية، فقد انصرفت نفوسهم عن النظر الصحيح في آيات الحق وبيّناته، فرؤساؤهم جعلوا همهم الشهرة والاستعلاء على الأقران، وانتصر كل فريق لمذهب يدافع عنه بالجدل والتأويل، والمرءوسون ينتمى كل فريق إلى رئيس يعتزّ به ويقلده، ولا يستمع قولا لمخالفه، وحب الدنيا هو رأس كل خطيئة، وسبب كل بلية في الدنيا والآخرة.
فليحذر المسلمون أن يحذوا حذوهم ويسيروا سيرتهم ولا يتبعوا خطوات الشيطان فيتفرّقوا كما تفرّق اليهود والنصارى حتى لا يحيق بهم ما حق بالذين من قبلهم.