وذبح أبنائهم- قوم فرعون ذى الجبروت والطغيان، والعتوّ والبهتان، ليكون لهم فى ذلك عبرة لو تذكروا، فيرعووا عن غيهم، ويثوبوا إلى رشدهم، حتى لا يحيق بهم ما حاق بأولئك المكذبين من قبلهم، إذ ابتلعهم اليم وأغرقوا جميعا.
ولا شك أن الأمر بذكر الوقت إنما هو ذكر لما جرى فيه كما أسلفنا من قبل.
ثم أتبع ذكر إرساله عليه السلام إنذارهم وتسجيل الظلم عليهم وتعجيب موسى من حالهم التي بلغت غاية الشناعة ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم وحذرهم من أيام الله فقال:
(أَلا يَتَّقُونَ؟) أي قال الله لموسى: ألا يتقى هؤلاء القوم ربهم ويحذرون عاقبة بغيهم وكفرهم به.
فأجاب موسى عن أمر ربه الإتيان إليهم متضرعا إليه:
(قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) أي قال موسى: رب إنى أخاف تكذيبهم إياى، فيضيق صدرى تأثرا منه ولا ينطلق لسانى بأداء الرسالة، بل يتلجلج بسبب ذلك، كما يرى أن كثيرا من ذوى اللسن والبلاغة إذا اشتد بهم الغم وضاق منهم الصدر تلجلجت ألسنتهم حتى لا تكاد تبين عن مقصدهم.
وفى هذا تمهيد العذر فى استدعاء عون له على الامتثال وإقامة الدعوة على أتم وجه، فإن ما ذكر ربما أوجب الإخلال بالدعوة، وعدم إلزام الحجة ومن ثم قال:
(فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) أي فأرسل جبريل عليه السلام إلى هرون، واجعله نبيا، وآزرنى به واشدد به عضدى، فبإرساله تحصل أغراض الرسالة على أتم وجه.
ثم ذكر سببا آخر فى الحاجة إلى طلب العون وهو خوفه أن يقتل قبل تبليغ الرسالة فقال:
(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) أي ولهم علىّ تبعة جرم بقتل القبطي خباز فرعون بالوكزة التي وكز بها، فأخاف إن أنا جئتهم وحدى أن يقتلونى من جرّاء ذلك- وهذا اختصار لما بسط من القصة فى موضع آخر.