ذلك أدلة على أن هناك إلها مصوّرا صوّر هذه العوالم كلها وأبدعها وزيّنها ورتبها ونظّمها على أحسن النظم.
وقد لاينهم أوّلا وعاملهم بالرفق حيث قال لهم: إن كنتم موقنين، ثم لما رأى شدة شكيمتهم خاشنهم وأغلظ لهم فى الرد وعارضهم بمثل مقالهم بقوله إن كنتم تعقلون، لأنه أوفق بما قبله من رد نسبة الجنون إليه.
ولما قامت الحجة على فرعون عدل إلى القهر واستعمال القوة ولبس لموسى جلد التمر كما حكى سبحانه عنه.
(قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) أي قال له: لأجعلنّك فى زمرة الذين فى سجونى على ما تعلم من فظاعة أحوالها، وشديد أهوالها، وكانت سجونه أشد من القتل، لأنه إذا سجن أحدا لم يخرجه حتى يموت، وكان يطرحه فى هوّة عميقة تحت الأرض وحده، وفى توعده بالسجن ضعف منه، لما يروى أنه كان يفزع من موسى فزعا شديدا.
وحينئذ اضطر موسى أن يترك الأدلة العقلية وراءه ظهريّا، ويلجأ إلى المعجزات، وخوارق العادات.
(قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ؟) أي أتفعل هذا ولو جئتك بحجة بينة على صدق دعواى، وهى المعجزة الدالة على وجود الإله القادر وحكمته، وعلى صدق دعوى من ظهرت على يديه.
وحين سمع فرعون هذا الكلام من موسى.
(قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فى دعوى الرسالة، فإن من يدّعى النبوة لا بد له من حجة على صدق ما يدعى، وقد أمره بذلك ظنا منه أنه يقدر على معارضته.