ولما رأى فرعون هذه الحجج بادر بالتكذيب والعناد وذكره لأشراف قومه أمورا ثلاثة:
(١)(قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) أي قال لرؤساء دولته وأشراف قومه الذين حوله ليروّج عليهم بطلان ما يدّعيه موسى: إن هذا الرجل لبارع فى السحر حاذق فى الشعوذة، ومراده من هذا أن ما ظهر على يديه إنما هو من قبيل السحر لا من وادي المعجزات.
ثم هيّجهم وحرضهم على مخالفته والكفر به والتنفير منه بقوله:
(٢)(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) أي يريد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا السحر، فيكثر أعوانه وأتباعه، ويغلبكم على دولتكم، فيأخذ البلاد منكم.
ومثل هذا القول يوجب جذب القلوب والتضافر فى مكافحة العدو والتغلب عليه جهد المستطاع.
قال المفتى أبو السعود: بهره سلطان المعجزة وحيره حتى حطه من ذروة ادعاء الربوبية إلى حضيض الخضوع لعبيده فى زعمه، والامتثال لأمرهم، أو إلى مقام مؤامرتهم ومشاورتهم بعد ما كان مستقلا بالرأى والتدبير، وأظهر استشعار الخوف من استيلائه على ملكه، ونسبه إلى إخراجهم من الأرض لتنفيرهم منه.
(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) أي قالوا: أخّر البت فى أمرهما، ولا تعاجلهما بالعقوبة، حتى تجمع لهما من مدائن مملكتك، وأقاليم دولتك، كل سحار عليم، ثم تقابلهم به وجها لوجه ويأتون من ضروب السحر ما يستطيعون به التغلب عليه، فتكون قد قابلت الحجة بالحجة وقرعت الدليل بمثله، ويكون لك النصر والتأييد عليه، وتجتذب قلوب الشعب إليك.