السوء ظنت به ذلك، ولم أكلّف العلم بأعمالهم، وإنما كلّفت أن أدعوهم إلى الإيمان والاعتبار به لا بالحرف والصناعات والفقر والغنى، وهم كأنهم يقولون إن إيمان هؤلاء لم يكن عن نظر صحيح. بل لتوقع مال ورفعة.
ثم أبان أن أمر جزائهم وحسابهم على ربهم لا عليه، فلا يعنيه استقصاء أحوالهم فقال:
(إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي ما حسابهم على ما تحويه سرائرهم إلا على ربهم المطّلع عليها لو كنتم من ذوى الشعور والعقل.
ولما جعلوا من موانع إيمانهم اتباع هؤلاء الأراذل كانوا كأنهم طلبوا طردهم فقال:
(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) أي وما أنا بطارد من آمن بالله واتبعنى وصدق بما جئت به من عند الله.
ثم بين وظيفة الرسول فقال:
(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي إنما بعثت منذرا ومخوّفا بأس الله وشديد عذابه، فمن أطعنى كان منى وأنا منه، شريفا كان أو وضيعا، جليلا كان أو حقيرا.
ولما أجابهم بهذا الجواب وأيسوا مما راموا لجئوا إلى التهديد.
(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) أي قال قوم نوح له: لئن لم تنته عما تدعو إليه من الطعن فى آلهتنا لنرجمنك بالحجارة ولنقتلنك بها.
ولما طال مقامه بين ظهرانيهم، يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا، سرا وإعلانا، وكلما كرر عليهم الدعوة صمّوا آذانهم وصمموا على تكذيبه وتمادوا فى عتوّهم واستكبارهم- استغاث بربه وطلب منه أن يحكم بينه وبينهم وأن يهلكهم كما أهلك المكذبين من قبلهم لرسلهم وينجيه والمؤمنين به.
(قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ. فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي إن قومى كذبونى فيما أتيتهم به من الحق من عندك، فاحكم بينى وبينهم حكما تهلك به المبطل وتنتقم منه وتنصر به الحق وأهله.