ولم تشكروا هذه النعم، عذاب يوم شديد الهول تذهل فيه المرضعة عما أرضعت، وترى الناس فيه سكارى حيارى وما هم بكارى، ولكن عذاب الله شديد.
وبعد أن بلغ الغاية فى إنذارهم وتخويفهم، وترغيبهم وترهيبهم كانت خاتمة مطافه أن قابلوه بالاستخفاف وقلة الاكتراث والاستهانة بما سمعوا، كما أشار إلى ذلك بقوله:
(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أي هوّن عليك وأرح نفسك، فكل هذا تعب ضائع، وجهاد فى غير عدوّ، وضرب فى حديد بارد، فإنا لن نرجع عما نحن عليه، وقد حكى سبحانه قولهم فى سورة هود:«وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ» .
ثم ذكروا السبب فى أن الوعظ وعدمه سواء بقولهم:
(إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ. وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) أي ما هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين من الآباء والأجداد، فنحن سالكون سبيلهم، نعيش كما عاشوا ونموت كما ماتوا، ولا بعث ولا معاد، ولا ثواب ولا عقاب، ولا جنة ولا نار.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) أي فاستمروا فى تكذيبهم ومخلفة أمر رسوله، فأملكناهم بريح صرصر عاتية:(ريح عظيمة ذات برد شديد) كما جاء فى قوله: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ» وقوله: «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى» :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي إن فى إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها- لعبرة لقومك المكذبين بك فيما أتيتهم به من عند ربك.
(وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي وما كان أكثر من أهلكنا بالذين يؤمنون فى سابق علمنا.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي وإن ربك لهو الشديد فى انتقامه من أعدائه، الرحيم بأوليائه المؤمنين إن تابوا وأصلحوا.