لا يكذب فيما يخبر عن ربه، وما عرف عنه إلا الصدق، والكهنة كذابون فيما يقولون، وقلما عرف عنهم الصدق فى أخبارهم.
وبعد أن ذكر الفارق بين محمد صلى الله عليه وسلم والكهنة- أردف ذلك ذكر الفارق بينه وبين الشعراء فقال:
(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) أي إن الشعراء يتبعهم الضالون الحائدون عن السنن القويم، المائلون إلى الفساد الذي يجر إلى الهلاك، وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا كذلك، بل هم الساجدون الباكون الزاهدون.
وقد سبق أن قلنا: إن من الشعر ما يجوز إنشاده، ومنه ما يكره أو يحرم روى مسلم من حديث عمرو بن الشّريد عن أبيه قال:«ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: هل معك من شعر أمية بن أبى الصلت شىء؟ قلت نعم، قال هيه فأنشدته بيتا، فقال هيه، ثم أنشدته بيتا، فقال هيه، حتى أنشدته مائة بيت» .
وفى هذا دليل على العناية بحفظ الأشعار إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعا وطبعا، وإنما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية لأنه كان حكيما، ألا ترى
قوله عليه الصلاة والسلام «كاد أمية بن أبى الصلت أن يسلم» .
ثم بين تلك الغواية بأمرين:
(١)(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) أي ألم تعلم أن الشعراء يسلكون الطرق المختلفة من الكلام، فقد يمدحون الشيء حينا بعد أن ذموه، أو يعظّمونه بعد أن احتقروه، والعكس بالعكس، وذلك دليل على أنهم لا يقصدون إظهار الحق، ولا تحرّى الصدق، لكنّ محمدا جبلّته الصدق، ولا يقول إلا الحق، وقد بقي على طريق واحد، وهو الدعوة إلى الله، والترغيب فى الآخرة، والإعراض عن الدنيا.
(٢)(وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) فهم يرغّبون فى الجود ويرغبون عنه، وينفّرون عن البخل ويضرون عليه، ويقدحون فى الأعراض لأدنى الأسباب،