(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي ونودى بأن ألق عصاك فألقاها فصارت حية تسعى فلما رآها تتحرك وتضطرب كأنها جان من الحيات، لسرعة عدوها وخفة حركتها- ولّى هاربا منها ولم يرجع.
ثم نودى بما يهدئ زوعه:
(يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) أي يا موسى أقبل إلىّ ولا تخف مما تهرب منه، فإنك آمن من أن ينالك سوء، إنما هى عصاك أردنا أن نريك فيها آية كبرى، لتكون عونك لدى الطاغية الجبار فرعون ملك مصر.
ثم أراه آية أخرى زيادة فى طمأنينته، وأمره بقوله:
(اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي أدخل يدك فى جيب قميصك تخرج ولها شعاع يضىء من غير عيب ولا برص.
ولما اعترى موسى الخوف من العصا تارة، ومن الدهشة بشعاع يده مرة أخرى، أمره ربه أن يضع يده على صدره ليزول ما به من الخوف فقال:
(وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) أي وضع يدك على صدرك يذهب ما بك من خوف، كما يشاهد من حال الطائر، إذا خاف نشر جناحيه، وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه، وكان موسى يرتعد خوفا إما من آل فرعون وإما من الثعبان.
قال ابن عباس: كل خائف إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
ثم ذكر فذلكة لما تقدم فقال:
(فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي فما تقدم من جعل العصا حية تسعى وخروج اليد بيضاء من غير سوء بعد وضع اليد فى الجيب- دليلان واضحان على قدرة ربك، وصحة نبوة من جريا على يديه، أرسلناهما إلى فرعون وقومه.
ثم ذكر العلة له فى إظهار الآيات لهم بقوله:
(إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي إنهم كانوا قوما خارجين عن طاعة الله، مخالفين