ثم بين أنه مع كل هذه المواعظ أبى وزاد فى كفران النعمة فقال:
(قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) أي قال قارون لمن وعظوه: إنما أوتيت هذه الكنوز لفضل علم عندى، علمه الله منى، فرضى بذلك عنى، وفضّلنى بهذا المال عليكم.
(أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) أي أنسى ولم يعلم، حين زعم أنه أوتى الكنوز لفضل علم عنده، فاستحق بذلك أن يؤتى ما أوتى؟ أن الله قد أهلك من قبله من الأمم، من هم أشد منه بطشا، وأكثر جمعا للأموال؟ ولو كان الله يؤتى الأموال من يؤتيه لفضل فيه وخير عنده ورضاه عنه، لم يهلك من أهلك من أرباب الأموال، الذين كانوا أكثر منه مالا، لأن من يرضى الله عنه، فمحال أن يهلكه وهو عنه راض، وإنما يهلك من كان عليه ساخطا، ألم يشاهد فرعون وهو فى أبّهة ملكه، وحقّق أمره يوم هلكه.
وفى هذا الأسلوب تعجيب من حاله، وتوبيخ له على اغتراره بقوته وكثرة ماله، مع علمه بذلك.
وبعد أن هدده سبحانه بذكر إهلاك من قبله من أضرابه في الدنيا- أردف ذلك تهديد المجرمين كافة بما هو أشد من عذاب الآخرة وهو عدم سؤالهم عن ذنوبهم، إذ أنه يؤذن بشدة الغضب عليهم، والإيقاع بهم لا محالة، فقال:«وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ» أي إنه تعالى حين إرادة عقابهم لا يسألهم عن مقدار ذنوبهم