ابن مرداس فقد قيل له: ألا تشرب الخمر فإنها تزيد في حرارتك؟ فقال: ما أنا بآخذ جهلى بيدي فأدخله في جوفى، ولا أرضى أن أصبح سيد القوم وأمسى سفيههم.
وقد ألّفت الجماعات في أوربا وأمريكا للسعى في إبطال المسكرات، وحمل الدول على تشديد العقوبة على بائعى الخمور.
ولا تزال الأيام تظهر من مضارّ الخمر والميسر ما لم يكن معروفا من قبل، فيتجلى لنا صدق وصف الكتاب الكريم (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ولكن الهوى وسلطان اللذة صرفا كثيرا من أدعياء المدنية عن النظر في هذه المضار، فأسرفوا في معاقرتها حتى غيض معين الشباب، وحرموا من سعادة الحياة، وحرمت منهم أمتهم وأهلوهم، وهم أحوج ما يرجون من ذكائهم ورجاحة عقولهم، وبدت فتنة السكر بين ذوى الثراء والجاه من المتعلمين، وانتقلت منهم العدوى إلى غيرهم من الفلاحين، والعمال والأجراء، وعم خطر هذه الآفة وتبعها انتشار الزنا بما له من مضارّ لا تحصى كداء الزهري والسيلان وغيرهما مما يوجب انقطاع النسل.
وإذا استمر انتشار الخمر والزنا في هذه البلاد ولا سيما الخمور التي تباع للفقراء فهى موادّ سامة محرقة (سبيرتو) يضاف إليها قليل من الماء والسكر، فليس بالبعيد أن تنقرض الأمة بعد جيلين أو أكثر كما انقرض هنود أمريكا، ولا يبقى منهم إلا بعض الأجراء والخدم، فالسكر والزنا مقراضان يقرضان الأمم قرضا.
وقد شاع حديثا في مصر ما هو أفتك بالأمة من الخمور وأقتل لها، وهو بعض السموم التي تستعمل حقنا تحت الجلد أو شمّا بالأنف كالمورفين والكوكايين والهرويين.
وأما كون إثم الميسر أكثر من نفعه فواضح مما تقدم، ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه أنواع القمار وعمّ ضررها، وقد تنبهت لذلك حكومات كثيرة فمنعت أكثر أنواعه وشددت في العقوبة عليه، مع احترامها للحرية الشخصية، علما منها بأن منفعة القمار وهمية ومضرته حقيقية، إذ المقامر يبذل ماله المملوك له لربح موهوم، والمسترسل فى إضاعة المحقق طلبا للمتوهم يفسد فكره، ويضعف عقله، ومن ثم انتهى الأمر