التقدير حدّا لا يستطيعون معه العلم بعواقب ما يفعلون، ومن ثم فهم يحسبون أنهم ينفعونهم ويقربونهم إلى الله زلفى.
وإجمال ما تقدم: مثل المشرك الذي يعبد الوثن إذا قيس بالموحّد الذي يعبد الله، كمثل العنكبوت اتخذت بيتا بالإضافة إلى رجل بنى بيتا بآجرّ وجصّ، أو نحته من صخرة، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت، فأضعف الأديان إذا سبرتها دينا فدينا عبادة الأوثان.
ثم زاد الإنكار توكيدا وتثبيتا فقال:
(إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي إن الله يعلم حال ما تعبدون من دونه من الأوثان والأصنام والجن والإنس، وأنها لا تنفعكم ولا تضركم إن أراد الله بكم سوءا، وإن مثلها فى قلة غنائها لكم، كمثل بيت العنكبوت فى قلة غنائه لها.
وقد يكون المعنى: ليس الذين يدعون من دونه شيئا، إذ هو لحقارته وقلة الاعتداد به لا يسمى شيئا.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي والله هو العزيز فى انتقامه ممن كفر به، وأشرك فى عبادته معه غيره، فاتقوا- أيها المشركون به- عقابه بالإيمان به قبل نزوله بكم، كما نزل بالأمم الذين قص الله قصصهم فى هذه السورة، فإنه إن نزل بكم لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه شيئا، وهو الحكيم فى تدبير خلقه فمهلك من استوجب عمله الهلاك، ومؤخر من رأى فيه الرجاء للصلاح والاستقامة.
ثم بين فائدة ضرب الأمثال فقال:
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) أي وهذا المثل ونظائره من الأمثال التي اشتمل عليها الكتاب العزيز فضربها للناس تقريبا لما بعد من أفهامهم، وإيضاحا لما أشكل عليهم أمره، واستعصى عليهم حكمه، وما يفهم مغزاها ومعرفة تأثيرها، واستتباعها لكثير من الفوائد إلا الراسخون فى العلم، المتدبرون فى عواقب الأمور.